الأهمية التربوية لمرحلة الطفولة المبكرة
تشير أدلة الأبحاث العلمية على أهمية وضرورة تعزيز النمو والتنشئة السليمة خلال فترة السنوات الأولي ومرحلة الطفولة المبكرة. ويوضح أن البرامج التي تركز بشكل شامل علي التنمية المبكرة توفر فرصاً ممتازة لتجنب مشاكل الطفولة المبكرة، أو تقليل حدتها. مما يعود بالفائدة العظيمة على المجتمع وجميع أفراده.
تثبت الأدلة المتراكمة من مجالات علم الفسيولوجي، والصحة، والتغذية، وعلم الاجتماع، والتربية وعلم النفس أن مرحلة الطفولة المبكرة لها دور بالغ الأهمية في تكوين الشخصية والذكاء وسلوك الفرد الاجتماعي. حيث يولد الأطفال بقدرات عقلية وبدنية ونفسية واجتماعية تمكنهم من التواصل والتعلم والتطور. وإذا لم تجد تلك القدرات الاعتراف والدعم والتشجيع، فإنها سوف تتراجع بدلاً من أن تنمو.
ويمكن إيجاز أهمية الطفولة المبكرة خلال الخمس نقاط التالية:
الطفولة المبكرة حجر الزاوية وتكوين الشخصية
تظهر الأبحاث أن معظم تطور فكر الطفل وقدراته الذهنية يحدث قبل سن السابعة. والسنة الأولى في حياة الطفل هي السنة الأكثر أهمية من حيث التغذية والنمو البدني. فتعثر الطفل خلال هذه السنة يعرضه لخطر التأخر وربما التخلف في النمو العقلي والمعرفي للطفل. وخلال العامين الأولين من الحياة، تنمو معظم خلايا الدماغ، ويصحبها إنشاء الوصلات العصبية في المخ. ونمو الدماغ وتطوره بشكل جيد، يعزز قدرة الطفل على التعلم ويقلل فرص فشله في المدرسة والحياة. وكذلك تعليم الطفل ونجاحه خلال السنوات الدراسية، ومشاركته في المجتمع كعضو فعال يعتمد إلي حد كبير على الأسس التي تم تأسيسها وزرعها في مرحلة الطفولة المبكرة والسنوات الأولي.
تحقق مكسب اقتصادي
الاستثمار في السنوات الأولي للطفل يعود بمنافع اقتصادية كثيرة علي المجتمع: فالمجتمع يستفيد اقتصاديا من عوائد الاستثمار في رعاية الأطفال وتنميتهم من خلال زيادة الإنتاجية الاقتصادية للأطفال طوال حياتهم. وزيادة فرص العمل المتوفرة لمقدمي الرعاية للأطفال من أجل الكسب والتعلم. وكذلك توفير أموال ونفقات المجتمع في مجالات شتي كمعدلات الالتحاق بالمدرسة ونسبة الرسوب ومشكلة التسرب من التعليم. فالطفل الذي يحصل علي اهتمام مبكر في سنواته الأولي يكون أكثر قدرة على الالتحاق بالمدرسة، وأقل تعرض للفشل والرسوب أو التسرب المدرسي). وفي بعض الحالات، يؤثر الاستثمار في الطفولة علي انخفاض معدلات ارتكاب الجريمة ونسبة تعاطي المخدرات.
ولقد أثبتت الكثير من الدراسات العلمية مدى الصلة القوية بين التحسن الدراسي والتعلم من جهة، وزيادة الإنتاجية من جهة أخري. وإذا غضضنا البصر عن هذه الحقائق، فإن التفكير المنطقي يوحي بأن الفرد الذي ينمو بدنياً، وعقلياً، ولغوياً، واجتماعياً، وعاطفياً بشكل جيد لا بد أن يتمتع بقدرات وسمات تمكنه من المساهمة والمشاركة الفعالة في بناء وتنمية مجتمعه.
الطفولة المبكرة تنقل الثقافة للمستقبل
الأطفال هم مستقبلنا (Children are the Future) وامتداد لثقافتنا: فالإنسانية تنقل تراثها وثقافتها وقيمها عبر الأجيال والعصور من خلال أطفالها. وتبدأ عملية النقل هذه بداية من الطفولة المبكرة. ولمحافظة أي مجتمع على قيمه ومبادئه المعنوية والاجتماعية – أو محاولة تغييرها إلى الأفضل – يجب أن نبدأ بالأطفال. ويمكننا تعزيز ذلك من خلال برامج الطفولة المبكرة.
الطفولة المبكرة أداة للمشاركة الاجتماعية
تنمية ورعاية الطفولة المبكرة هي أداة للمشاركة الاجتماعية: حيث يوفر الأطفال نقطة التقاء لجميع الأنشطة الاجتماعية أو حتي السياسية. مما يساعد على بناء التوافق والتنظيم من أجل الصالح العام. وعلى الرغم من أنه لا يمكن للأطفال التصويت، إلا أنه قد أدرك السياسيون وأصحاب القرار – وخاصة علي المستوي المحلي – أن الأطفال يمكن أن يصبحوا محور تلتقي عنده الأنشطة الاجتماعية والسياسية. مما يساهم في بناء توافق آراء محلي واندماج للأفراد في مجتمعهم الذي يعيشون فيه. حيث يحرص الآباء دائماً على تأمين مستقبل أفضل – مشرق ومزدهر – لأطفالهم. وغالبا ما يكونون على تم الاستعداد للتعاون والتضحية في سبيل تحقيق هذا الهدف. وتساعد هذه الميزة التي تختص بها برامج الطفولة المبكرة علي التعبئة الاجتماعية وتعزيز مشاركة الأفراد في مجتمعهم ورفض الأنانية وعدم التمركز حول الذات والمساهمة في تفعيل الديمقراطية المحلية.
تجعل البرامج الأخري أكثر فاعلية
إضافة عنصر “رعاية الطفولة المبكرة للتنمية” إلى بعض البرامج الأخرى يمكن أن يجعلها أكثر فاعلية: يمكن ضمان مزيد من النجاح لمجموعة متنوعة من البرامج الاجتماعية (مثل برامج البقاء على قيد الحياة التي تشدد على الصحة والتغذية، أو برامج التعليم الابتدائي. أو برامج تعزيز دور المرأة في المشاركة في التنمية) عن طريق دمج عنصر خاص بمجال رعاية الطفولة المبكرة وتنميتها. فعلى سبيل المثال، ومن بين استراتيجيات أخرى، إذا قدم القطاع الصحي برامج لمساندة الآباء إلى جانب الخدمات العلاجية. فإن ذلك يزيد – بلا شك – فرص الطفل للبقاء على قيد الحياة، والتركيز على عملية التغذية ذاتها. وإيلاء الاهتمام “لاستعداد” الأطفال للمدرسة يمكن أن يزيد كل منها بشكل كبير من قيمة التغذية التكميلية. كما أن برامج رعاية الطفل يمكن أن تعزز بشكل كبير فرص المرأة في المشاركة في البرامج الهادفة إلى دعم دورها المنتج (إيفانز وآخرون، 2005).
وخلاصة القول إن مرحلة الطفولة هي مستقبل أي مجتمع، وبقدر ما يولي المجتمع هذه المرحلة من رعاية واهتمام يكون المستقبل.