الفرق بين أدب الأطفال وأدب الكبار
هناك مجموعة من نقاط الالتقاء والتباين أو الاختلاف توضح الفرق بين أدب الأطفال وأدب الكبار، فنقاط الالتقاء تعود إلى طبيعة المتلقي كإنسان في حد ذاته سواء أكان راشدًا أم كان طفلاً، ففي داخل كل راشد طفل يعيش بين جنبيه، خصوصاً إذا كان هذا الراشد شاعراً وهذا ما ذهب إليه الشاعر بابلو نيرودا (Pablo Neruda) عندما قال “إذا فقد الشاعر الطفل الذي يعيش بداخله فإنه سيفقد شعره”. وأكد ذلك الشاعر العربي الكبير سليمان العيسى حيث يقول «كل واحد منا يحمل في أعماقه طفلاً يحب أن يغني، ويقفز، ويمرح..».
كما أن هناك التقاء يعود إلى جوهر الأدب وطبيعته فالأدب يتحدث عن الحياة والكون والإنسان، فالأديب يتحدث عن هذه القضايا بأحاسيسه وعواطفه وعقله.. أما أديب الأطفال فيتحدث عن الحياة بمستوى يحمل معنى وهدفًا للأطفال فإن خاصيته تكمن في لغته ومحتواه الذي ينبغي أن يمس الأطفال مباشرة، فيختلف عن أدب الكبار من حيث الموضوع الذي يتناوله والفكرة التي يعالجها والطريقة التي يتم تناوله فيها والأسلوب الذي يقدم به.. فحين سئل الشاعر الكبير سليمان العيسى” لماذا تكتب للصغار؟” أجاب:
“…. أنا لا أكتب لتسلية الأطفال. ولعل أي لعبة أو كرة تكون أكثر فائدة في هذا الصدد. ولكني أنقل لكم تجربتي.. التجربة القومية، والإنسانية، والفنية.. أنقل لكم أحلامي وهمومي.. يا أبنائي الأعزاء، عندما تكبرون ستدركون أنني لم أكذب عليكم. لم أهدر وقتكم الثمين في أمور تافهة. أنتم أعز وأغلي عندي من ذلك” (العيسى، 1999).
ومن هنا يمكن توضيح نقاط الفرق والاختلاف بين أدب الكبار وأدب الأطفال في النقاط الآتية:
موجه إلى الأطفال
لو أننا نظرنا إلى الأدب الموجه لكي يقرأه الصغار، سنجد أن أطفال العالم قبل القرن التاسع عشر لم يكن لهم كتب تذكر ألفت مخصوصاً لهم، بل كانت الأطفال تقرأ كتب الكبار، فيتعلم الطفل منها ما يستطيع فهمه، أو قادر على إدراكه.
ومازال الأطفال حتى اليوم يقرؤون بعض كتب الكبار. وقد يتمكن بعضهم من فهم كثير من الكلمات فيها، لكن فهمهم للكلمات في كتب الكبار لا يعني أن خلفيتهم من التجارب، وحصيلتهم من الخبرة والمعلومات قد أعدتهم ليقرؤوا كتب الكبار كأدب. والحقيقة أن الأمر في الواقع لا يقتصر علي تحصيل أكبر قدر من المفردات اللغوية، أو معرفة قواعد اللغة والنحو، وإلا فكتاب مثل كتاب “صندوق الدنيا” لإبراهيم المازني، أو “جنة الحيوان” لطه حسين يمكن للطفل قراءته وفهم معظم مفرداته، ومع ذلك فليست لديهم المقدرة على فهم الظروف النفسية والعاطفية للشخصيات الواردة في الكتاب، أو إدراك الميزات الأدبية لكاتبه، أو الوقوف على الرمز والعقدة في قصصه، أو معرفة الخط السياسي أو الاجتماعي الذي يعود إليه الأديب أو الأهداف العامة والخاصة التي يكتب من أجلها ذلك الكتاب. (الحديدي، 2010).
يخضع لنفس معايير الكتابة الأدبية
ينبغي أن تخضع كتابات الأطفال لنفس معايير جودة الكتابة الأدبية التي تخضع لها كتابات الكبار. فأغلب معايير النقد الأدبي للكبار مثل دقة التعبير، والبناء الأدبي، وأسلوب العرض، وجمال الصياغة الأدبية، و مدي التكامل بين أجزاء العمل الأدبي، وغير ذلك من المعايير التي يرجع إليها عند تقييم كتابات الكبار تنطبق إلى حد كبير على الكتابات التي تتخذ من الأطفال جمهوراً لها، وبعد ذلك يكون لكل منهما خصائص ومعايير تميزه.
له نفس الشكل والبناء الأدبي
إن الشكل الذي يخرج به كتاب الأطفال ينبغي أن يختلف عن ذلك الذي يخرج للكبار، سواء من حيث الصور والرسوم، أو من حيث نمط الكتابة، أو غير ذلك من مقومات الإخراج الفني المختلفة، كذلك فإن الطريقة التي تعرض بها الأحداث والمنطق الذي يكمن وراءها، والعلاقات التي تحكمها ينبغي أن تختلف في كل أدب عن الآخر.
يختلف في مضمونه عن الكبار
إن مضمون كتب الأطفال وقصصهم يختلف عن مضمون كتب الكبار ومؤلفاتهم. سواء من حيث الأفكار، أو الشخصيات أو الأماكن والأحداث، أو غيرها من مقومات العمل الأدبي، وأخيرًا فإن اللغة التي يكتب بها للأطفال ينبغي أن تتميز عن تلك التي يكتب بها للكبار طعيمة (2001).
له معايير نقدية مختلفة
ويتضح الفرق أكثر بين أدب الأطفال الصغار وأدب الكبار في عملية النقد (Criticism). ويتصل من قريب أو بعيد بهذه الاختلافات جانب من جوانب ما بين أدب الطفل وأدب الكبار من نقد وتحليل. وتوجيه أدبي، حيث إن القيم النقدية والجمالية. والنظرية الأدبية لكل من الأدبين لا تلتقي على سواء، ويترتب على هذا أن المعايير التي على أساسها ننقد ونحكم على أدب الأطفال، تختلف عنها بالنسبة لأدب الكبار، ومن ثم يكون الاختلاف أوضح في القوانين النقدية التي تحكم كلاً منهما، ولا سيما إذا كان أدب الكبار يخضع لما تخضع له الآداب من نظريات وقواعد وأسس نقدية، قوامها النظريات والمدارس الفنية والنقدية المختلفة والمتباينة فيما بين الكلاسيكية، والرومانسية، والواقعية، والرمزية.
يتصل بعالم الطفولة
إن أدب الأطفال يخضع لأسس تتصل بعالم الطفولة، وما يفرضه هذا العالم من أسس نفسية واجتماعية ولغوية، ترتبط ارتباطا وثيقاً بالمراحل التي تصوغ الطفولة صياغات تتفق وتختلف، لكنها دائما تهيئ الطفل لمرحلة النضج وتحمل المسؤولية.
ليس ورقي فقط
أدب الكبار غالباً ما يكون أدب على الورق، وهو ما يعني القراءة أكثر، والاستماع أقل، والمشاهدة أحياناً. في حين أن أدب الأطفال ليس مجرد أدب ورقي، حيث تلعب الرؤية البصرية دوراً كبيراً في القراءة أو المشاهدة. وأدب الأطفال في كل الأحوال مرتبط بشكل وثيق بالمتلقي، وبالمرحلة الزمنية، وعمر ذاك المتلقي. ففي السنوات الأولى يكون أسلوب المشافهة والاستماع هو الأكثر القبول والتأثير، بينما في المراحل المتوسطة بين طفولة المهد وطفولة الشباب يفضل أسلوب دمج القراءة مع الألون البصرية والمشاهدة حيث يعتبر من أفضل الوسائل في نقل أدب الطفل. وفيما يتعلق بمرحلة ما بعد سن التاسعة فإن القراءة أولاً، بليها المشاهدة يعد من أقوى طرق التأثير للتعامل مع الطفل في هذه المرحلة، ولذلك فإن أدب الطفل يتميز يسمات وخصائص فريدة تجعله أقرب إلى أدب نوعي له مذاقه الخاص (أبو السعد، 1994؛ المشرقي، 2005).
يظهر فيه الحب الأبوي والتربوي
إن ما يميز ويوضح الفرق بين كاتب الكبار من كاتب الصغار، هو الحب الأبوي والتربوي الذي يظهر في أدب الأطفال. لذا كان من البدهي أن يقف الكاتب على رغبات الأطفال وأهوائهم، وأدواتهم الغضة، وعليه أن يلج في عالمهم الخاص، ولا يتعامل معهم من خلال قيم الكبار التي تعتمد على الخطابة والذكورة، وألا يزنهم بميزان مفهوماته. إنما ينظر إليهم من الداخل، فما لم يحقق ذلك، فسيظل في منأى عن هذا العالم الذي لا يزال مفطوراً على البراءة والشفافية (قرانيا، 2003).