ما فلسفة أدب الأطفال ومن أين يأخذها؟
يستمد أدب الأطفال فلسفته ومقوماته من فلسفة المجتمع ومقوماته، ويتناول قيمًا وتقاليد اجتماعية مناسبة، هي السائدة فيه. يقدمها بشكل يتناسب مع تفكير الأطفال ومدركاتهم. إلا أن هذا لا يعني أنه تبسيط أو تصغير لثقافة المجتمع السائدة؛ بل إن أدب الأطفال يمثل فناً مستقلاً قائما بذاته، له ملامحه، وسماته الخاصة، التي تختلف عن أدب الراشدين، وله خصائصه المتفردة التي تسبغها طبيعة الأطفال أنفسهم.
إن الحكايات والخرافات التي كان يتناقلها الناس منذ عصور الإنسان الأولى. هي حصائل نظرته إلى الحياة، وخلاصة لتجاربه المحدودة وتصوير لإحساساته وخيالاته وانفعالاته، ولا يمكن اعتبار الحكايات والخرافات (Fables) أدباً حقاً للأطفال حتى وإن كان للأطفال؛ لأنه لم يراع في صوغها تلاؤمها مع خصائص الطفولة وميزاتها، وقد تضمنت أكثر الحكايات والخرافات التي صاغتها الإنسانية عبر تاريخها على مواعظ جافة وعبر قاسية وتوجيهات كتيبة (الهيتي، 1986).
فلسفة أدب الأطفال في أوروبا
ظلت الاتجاهات الخاطئة في النظرة إلى الطفل سائدة آلاف السنين (قصص العفاريت والوحوش والسحرة، أو تصوير شخصيات مفزعة وعدائية، أو مشاهد مخيفة ومحزنة، وكل ما يثير الرعب والقلق والحزن في نفوس الأطفال) حيث غذتها بعض العقائد الدينية الوضعية والفلسفية والاجتماعية والتربوية، وكرستها النظم السياسية حتى القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. وقد كانت ترتكز فلسفة أدب الأطفال على بعض الأسس منها:
- إذعان الإنسان لما قدر له في الحياة.
- الشر في الطفل طبع لا تستأصله إلا مراقبة الوالدين وأولي الأمر، ولا سبيل إلى إصلاحه إلا بصولة العصا وإرهاب السوط، ما دام رجلاً صغيراً عليه ما على الرجال من قيود.
- لكل فرد في المجتمع حدود وليس له الحق في تعديها، وهو يواجه العقاب إن لم يرعو لها، سواء أكان طفلاً أم راشداً.
وفي ظل سيادة هذه المفاهيم التربوية الخاطئة، وسيادة بعض الأفكار الدينية. نشأ أدب الأطفال في أوروبا والغرب في القرن السابع عشر (الهيتي، 1986).
الطفولة في الإسلام
وقد وقف الإسلام موقفاً فريداً من الطفولة تميز به عن الديانات والفلسفات، والاتجاهات القديمة والحديثة، وتعامل معها بأرقى صورة، تعاملاً كاملاً وشاملاً ومتوازناً لمختلف جوانب شخصية الطفل وحياته، بل نظر إلى الطفل نظرة إنسانية، شملت طفولة البشرية جميعًا، دون تمييز بسبب نسب، أو لون، أو عرق، أو لغة أو دين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم عالمًا بنفسية الأطفال وطبيعة الطفولة، فسن الطفولة الأولى هي السن الملائمة لتكوين العادات الصالحة بتأثير المربي، فالتعليم لا يبدأ بالعصا، والتربية لا تبدأ بالعقوبة، إنما هناك فسحة يعمل فيها الحب، وتعمل فيها القدوة، والنصيحة، والكلمة الرقيقة الحازمة، ومن تلك الأساليب: أسلوب التربية بالقدوة، وأسلوب التربية بالعادة، وأسلوب التربية بضرب المثل، وأسلوب التربية بالقصة.
فجاء أدب الأطفال على ضوء التصور الإسلامي مستنداً إلى المبادئ والقيم والأخلاقيات الإسلامية التي ترسخ في الطفل الأهداف التربوية التي يصبو إليها المجتمع المسلم، فهي أهداف ربانية تربوية إسلامية تعبر تعبيرا صادقا عن حقيقة الألوهية وحقيقة الكون والإنسان والحياة. فأدب الأطفال فعل تربوي نسعى إليه. يتوجب أن يعد طفلا محصنا بقيم الكتاب والسنة، قادرًا على أن ينزل هذه القيم على أرض الواقع قولاً وعملاً، وقادرًا على أن يواجه العالم ويحاوره وعنده الأسس لذلك. فالإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وقد أولاها رعاية واهتماماً، كيف لا وهو منهج حياة متكامل يستطيع أن يتعامل مع غير المسلمين ويعيش معهم ويجادلهم بالتي هي أحسن.
فلسفة أدب الأطفال في ضوء التربية الإسلامية
وفي ضوء ذلك، إن أهم ما يميز التربية الإسلامية التي ينبغي أن تنعكس في أدب الأطفال أنها:
1. تربية إيمانية
تنشئ الطفل على الإيمان بالله جل جلاله الواحد الأحد. وترسخ العقيدة الإسلامية، وإفهامها له بطريقة متدرجة نامية، وأسلوب شيق مبسط، يتناسب وإدراك الطفل.
2. تربية عبادية
تعني أولاً أنها تربي الطفل على عبادة الله جل جلاله وحده منذ نعومة أظافره وعلى العمل الصالح. وتعني ثانياً أن من يمارس التربية الإسلامية يعبد الله جل جلاله وله على ذلك الثواب والأجر من الله جل جلاله.
3. تربية أخلاقية
ليست كل التربيات والفلسفات السابقة التي نعرفها معنية بالأخلاق عناية التربية الإسلامية. فبعضها يهتم بتزويد الأطفال بالخرافات والأساطير أكثر مما تربيهم على الخلق الكريم. أما التربية الإسلامية التابعة من الإسلام جعلت هذه الأخلاق ثابتة لا تخضع لرأي أو لهوى.
4. تربية علمية
الإسلام أكثر الأديان اهتماماً بالعلم والمعرفة، فأول آية نزلت من القرآن الكريم تأمر بالقراءة. قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (سورة العلق، آية 1). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “وما من شيء أعظم عند الله من رجل تعلم علما فعلمه للناس” (رواه مسلم). كما حث الإسلام الإنسان على استخدام العقل وصولاً للمعرفة. قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (سورة آل عمران، آية 190).
5. تربية ديمقراطية
تؤمن بأن كل مسلم له الحق في أن يتعلم سواء أكان ذكراً أو أنثى، أبيض أم غير أبيض، غنياً أم فقيراً. وله أيضًا الحرية ليختار الموضوع الذي يدرسه، والمعلم الذي يدرسه بالإضافة إلى الوقت الذي يدرس فيه.
6. تربية شاملة
وهذه السمة تظهر واضحة في السمات السابقة فقد شملت الإنسان من جميع نواحيه الجسمية والعقلية والوجدانية والخلقية والمهارية.
7. تربية متكاملة ومتزنة
وهذا التكامل يأتي من شمول التربية الإسلامية التي لا تضارب بين جوانبها المختلفة ولا تضارب بين السمة الدينية والسمة العلمية. فالدين الإسلامي يحض على العلم والعمل الذي يؤكد العقيدة ويدعمها.
ويستمد أدب الأطفال على ضوء التصور الإسلامي مضمونه من القرآن الكريم، أو من السنة المطهرة، أو من سير الأنبياء والمرسلين، وحياة الصحابة والصالحين والحياة العامة، والعقائد والعبادات والمعاملات والبطولات الإسلامية.
فلسفة أدب الأطفال في الوطن العربي
وإذا كان هناك فلسفة يجب أن نسير عليها في الوطن العربي حتى يحقق أدب الأطفال أهدافه المرجوة منه. فإنه يمكن استنباط هذه الفلسفة من خلال البحوث والدراسات العلمية التي جرت في هذا الميدان. ومن خلال التوصيات والمقترحات والندوات والحلقات الدراسية ومؤتمرات الأدباء والكتاب، التي ناقشت جوانب هذه القضية بكل استفاضة وعمق في محاولة منها لإيجاد اهتمام قوي بأدب الطفل العربي على جميع المستويات. إن الفلسفة التي يجب أن يكون عليها أدب الأطفال في الوطن العربي يجب أن ترتكز على الأسس الآتية:
- أن يوقظ أدب الأطفال في الطفل مواهبه واستعداداته ويقوي فيه ميوله وطموحاته وينتهي به إلى الشغف بالقراءة والمثابرة عليها.
- أن يكتب أدب الأطفال بلغة تكون في مستواهم بحيث يتذوقونه ويفهمونه في يسر دون مشقة وعناء.
- أن يثري أدب الأطفال لغة الأطفال وأن يكتب بلغة عربية فصيحة سهلة حيث إن أغلى وأثمن ما يمكن أن يتحصل عليه الأطفال في سنوات عمرهم هو لغتهم الأم.
- أن يفتح أدب الأطفال أبواب الابتكار والإبداع للأطفال العرب بدلاً من الاعتماد على التقليد الأعمى.
- أن تكون المعلومات المقدمة للأطفال معلومات تدفع بهم إلى التفكير.
- أن يقوي أدب الأطفال في الطفل العربي اعتزازه بدينه وأمته ووطنه. وأن يهيئه للمساهمة في بناء الوطن وتعريفه بالقيم الإنسانية والقيم الحضارية الخالدة للأمة العربية الإسلامية.
- أن يوظف أدب الأطفال لبعث التراث العربي الإسلامي عن طريق تعريف الأطفال بالنواحي المشرقة والإيجابية من تاريخ أمتهم المجيدة (دياب، 1995).
أسس تحقيق أدب الأطفال لأهدافه في وطننا العربي
ولكي تتحقق تلك الأسس على واقع الطفل العربي في العالم المعاصر، وفق أحدث الاتجاهات العالمية. فإننا نجد أن الأسس الثابتة لتنمية ثقافة الطفل العربي (علواني، 1995؛ أبو هيف، 1983):
- تأصيل الهوية الثقافية، مع التطلع المستقبلي، والاهتمام باللغة العربية.
- التأكيد على التراث العربي الإسلامي، وما يزخر به من منجزات، كمدخل ثابت لهذا الأدب.
- استخدام الثقافة من أجل إطلاق طاقات النمو عند الطفل.
- التأكيد على التحصين الثقافي للطفل العربي ضد الغزو الثقافي والاغتراب الفكري والعولمة.
- اعتماد مبدأ شمولية التخطيط لأدب وثقافة الطفل، والتنسيق بين جميع مجالاتها ووسائطها.
- قيام التخطيط الشامل على دراسات علمية، يتناول جميع جوانب حياة الطفل. ويقوم على تنسيق جهود المختصين في مختلف وسائط الطفل الثقافية.
- العناية الخاصة بإعداد الخبراء في مختلف مجالات ثقافة وأدب الطفل وتربيته.