سمات الكتابة للأطفال وخصائص كاتبها
قد يظن البعض خاطئًا أن الكتابة للأطفال يجيدها كل أحد، ولكن الحقيقة بخلاف ذلك. حيث تعتبر الكتابة المواجهة للأطفال من أصعب الفنون الأدبية في الكتابة والتأليف. فقد تجد الكاتب يتكلف الصياغة للطفل ويتعمق في اختيار الألفاظ الصعبة لاختيار أدق المعاني حتى يحكي قصة أو حكاية. فليس كل من يكتب للكبار يتمكن من الكتابة للصغار، وبعض الكتاب العظماء لم يرووا قصة واحدة للأطفال أبدًا. ولعل الصعوبة تكمن في عدم قدرة المؤلف على فهم عالم الطفل، وميوله، ونفسيته. والسمة الأساسية لأدب الأطفال هي البساطة، والتي تعتبر من العوائق الحقيقية التي يواجهها الكثير من الكتاب. غالبًا ما تتطلب البساطة جهدًا إضافيًا من جانب الكاتب حتى يتمكن من نقل المعنى بكلمات وجمل بسيطة ومفهومة بعيداً عن الطول والتعقيد والغموض مع ضرورة احتفاظ الكاتب بجمال الأسلوب والتشويق والجاذبية في نفس الوقت.
الأدب عموما أو الكتابة للأطفال تحتاج إلى موهبة خاصة، وخبرة واسعة.. ولابد لكاتب الأطفال أن يكون قادرًا على التعبير عن نفسه وعن موضوعه، وأن يكون قادراً على الكتابة للكبار باقتدار.. ثم من الضروري أن يكون مستعداً للتضحية بالكثير. والعمل بإصرار على تجديد صنعته… (يوسف، 1986). والمقصود بالتعبير هنا، ليس التعبير الذي يمارسه الإنسان العادي في تصوير الواقع ورواية الحقيقة، بل هو الإبداع.
وكاتب الأطفال بحاجة إلى دراسة متعمقة في اللغة من زوايا معينة، ودراسة في أصول التربية وعلم النفس ومراحل نمو الأطفال وخصائصها المميزة.. مع خبرات عملية في دنيا الأطفال، وإحساس فني تربوي مرهف.
فالكاتب المبدع يقوم بعمل شاق؛ لأن القائم به مطالب بإدراك كثير من القواعد التي تصل بنص الكتابة وإمكانيات اللغة، وقدرات الطفل واستعداداته، وخطير؛ لأن أبعادًا خطيرة تترتب على إساءة قواعدها ومتطلباتها ولا يتوقف أثر هذه الأبعاد الخطيرة على طفل معين أو مرحلة زمنية معينة، ولكنه يتجاوز ذلك إلى الطفولة والتاريخ والمستقبل.
خصائص الكاتب لأدب الأطفال
أما روالد دال (Roald Dahl) فقد وضع لكاتب الأطفال ثمانية شروط، التي توصل إليها من خلال كتاباته وتجربته، وهي:
- أن يتمتع كاتب الأطفال بنوع من الخيال الحي والواسع.
- أن يكون قادرًا على الكتابة الجيدة، بمعنى أنه لا بد أن يكتب مشاهد حية تتجسد في عقل وذهن القارئ وهي مقدرة لا يمتلكها كثيرون.
- أن يركز في عمله وأن يعمل لأوقات طويلة في الحذف والإضافة حتى يخرج عمله مركزاً ووافياً.
- أن يسعى للمثالية وألا يرضى على الإطلاق بما فعله وأن يعاود الكتابة أكثر من مرة حتى يجود عمله بقدر ما يستطيع.
- أن يكون منظماً وأن يكون حراً طليقاً لا يكتب أشياء تفرض عليه.
- أن يتمتع بروح الدعابة والمرح وهي خاصية إن كانت غير مهمة في أدب الكبار إلا أنها غاية في الأهمية عند الكتابة للصغار.
- يجب أن يمتلك قدراً من التواضع لأن الإحساس بالعظمة يمكن أن يقود كاتب الأطفال إلى الارتباك والتعثر في توصيل أفكاره.
- أن يكون لديه حب كبير للأطفال (قنديل، 2002). ويقول المبدع سليمان العيسى أن من شروط نجاح الكتابة للطفل، لابد للكاتب – سواء كان شاعرًا أو ناثراً – أن يمتلك طفلاً بداخله، وذلك ما يساعده على الابتعاد عن الوعظ والإرشاد.. وهكذا يرى العديد من الكتاب والنقاد أن سليمان عيسى طفل متشبث بطفولته ونقائه…
كما يلزم كاتب الأطفال ليقدم نصا جيدا للأطفال أمران:
أولهما: إتقان الإبداع الكتابي في المجال الأدبي الذي يروم الكتابة فيه، وهذا يتطلب الموهبة والمعرفة بأصول وأسس الفن الكتابي.
ثانيهما: النجاح في الارتقاء إلى مستوى الطفل لمخاطبته بما يتناسب مع حاجاته النفسية وقدراته العقلية واللغوية.
وقد حدد الشاعر محمود سامي البارودي في مقدمة ديوانه صفات وشروطاً للشعر والشاعر الجيد: خير الكلام ما ائتلفت ألفاظه، وتألقت معانيه. وكان قريب المأخذ، بعيد المرمى، سليمًا من وصمة التكلف، بريئاً من عشوة التعسف، غنياً عن مراجعة الفكرة؛ هذه صفة الشعر الجيد. فمن آتاه الله منه حظا، وكان كريم الشمائل، طاهر النفس؛ فقد ملك القلوب، ونال مودة النفوس.
أسس وضع أو اختيار النصوص الأدبية للأطفال
لا شك أن النصوص المقدمة للطفل يجب أن يتم اختيارها بعناية حتى تحقق الأهداف المنشودة منها، ولا جوز تركها للطفل ليختارها بنفسه مما قد يقوده إلى بعض الانحرافات في المعتقدات أو السلوكيات. خاصة وأننا نعرف أن سوق الإنترنت مليء بالكتابات الرخيصة التي لا تتفق مع ما نؤمن به كمسلمين، ولا مع أخلاقنا وقيمنا. لذا فإن على المربين وأولياء الأمور مسؤولية كبيرة على عاتقهم. إذ يحتم عليهم في حال أنهم يريدون تنمية مواهب أبنائهم الأدبية أن يختاروا لهم النصوص الأدبية القيمة التي تنمي مواهبهم. وفي الوقت نفسه تغرس فيهم القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة. كما أن هذا الأمر يتطلب من الكاتب الذي يعمل في هذا المجال أن تكون لديه مواصفات خاصة من حب للأطفال وحس تربوي وبساطة في العرض وإدراك واع لعالم الطفل.
هناك مجموعة من المعايير التي ينبغي أن تراعى في اختيار تلك النصوص ومن أهمها (اليحمدي، 2006)
- أن يراعى حين نصوغ نصاً أدبياً شعراً كان أو نثراً أو نختاره لأطفالنا أن نحاول ربط مضمونه بالقرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة السلف الصالح.
- وليس شرطا في النص الأدبي الذي نريد أن نقدمه للطفل أن يكون محتواه مقتبسًا من القرآن الكريم أو السنة النبوية بشكل دائم. ولكن يجب أن لا نخرج عنه وأن تكون تلك النصوص المؤلفة أو المختارة تتوافق مع القيم الإسلامية والأخلاق الفاضلة.
- لا يخفى أن التراث العربي الأدبي ثري بمختلف الفنون الأدبية شعراً ونثراً. وإن من أراد أن يعرض على الناشئة بعضًا من تراث الآباء لابد من حسن الاختيار. والهدف من هذا التوظيف هو تعريف الطفل بما كان للأجداد من دور كبير في إغناء الأدب الإنساني بالإبداع والعطاء الفكري. كما أن هناك هدفًا آخر وهو ربط الحاضر بالماضي وعدم قطع الصلة بينهما وتدريب الطفل على الأساليب اللغوية الفصيحة التي أرساها السابقون لنا.
- ربط المضمون بالبيئة المحيطة وواقعها وما تمر به أمتنا الإسلامية من مشكلات وقضايا.
- احتواء النصوص على بعض من الخيال والتصور الفني بما يتوافق مع مدارك الطفل الذهنية وقدراته.
شروط المحتوي الجيد
ومن الضروري أن يتوفر للمضمون الجيد شرطان رئيسان:
- أن يناسب مستوى الأطفال ويتفق مع خصائصهم وفق مرحلة النمو التي يوجه إليها المضمون.
- أن يصل إلى تحقيق أهدافه طبقا لمعايير أدب الأطفال السليم وبأسلوب غير مباشر يستهوي الأطفال (نجيب، 1979).